اختلالات الصناديق تتحمل مسؤوليتها الدولة
عضو لجنة إصلاح المنظومة أكد أن اختلالات الصناديق تتحمل مسؤوليتها الدولة
أكد عبد الحق حيسان، نقابي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وعضو لجنة إصلاح منظومة التقاعد، أن إصلاح التقاعد شأن مجتمعي يهم كل المغاربة، ولا يمكن التداول فيها في سرية مع الحكومة.
وحذر حيسان الحكومة من محاولة تمرير مشروع الإصلاح، اعتمادا على أغلبيتها العددية، مؤكدا أن الأمر قد تنتج عنه احتجاجات تهدد السلم الاجتماعي.
في ما يلي نص الحوار:
< أولا في ما يتعلق بتكتم الحكومة، فهي لم تكتف بذلك، بل طلبت من جميع من يحضر اجتماعات اللجنة الالتزام بالسرية، لكننا في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، كنا صريحين، وأكدنا في اجتماع رسمي، أننا لن نلتزم السرية في موضوع مجتمعي يهم المغاربة جميعا.
أما في ما يخص سؤالك حول مضامين الإصلاح المرتقب، فالحكومة عرضت علينا لحدود الساعة مقترحات مكتب للدراسات، وظلت تؤكد طيلة الاجتماعات الثلاثة، أنها لا تتبنى كل ما جاء فيها، وأنها تعرضها علينا للاستئناس.
لكننا نعرف أن مقترحات الحكومة لن تبتعد كثيرا عما جاء في الدراسة، والتي اتجهت من خلال مضامينها نحو كل ما هو سلبي في الأنظمة الحالية، دون مراعات للمكتسبات، ولما توصلت إليه اللجنة الوطنية من اتفاقات سابقة.
< الخلاصات التي توصلت إليها اللجنة النيابية لتقصي الحقائق نشرت في تقرير يفيد ملخصه أن الدولة مدينة للصندوق المغربي للتقاعد، وطالبت اللجنة في توصياتها بأداء ما بذمتها له، وخاصة لنظام المعاشات المدنية، مع تحديد قيمة المتأخرات والفوائد المترتبة عنها، في إطار الحوار الاجتماعي.
ومن خلاصات اللجنة أيضا توقيف الإصلاح المقياسي، واعتماد إصلاح شمولي، كما طالبت الدولة باعتبارها مشغلا أداء ثلثي الاشتراك، مقابل ثلث للموظف، عوض 50 في المائة لكل منهما. والحال أن الحكومة لم تطبق أي توصية من تلك التوصيات، منذ 2016، وعادت اليوم، لتطرح الإجراءات ذاتها التي طبقتها في 2016، أي الثلاثي الملعون (الزيادة في السن والزيادة في الاشتراكات، ونقص قيمة المعاش)، بالإضافة إلى إجراءات أخرى سبقت الإشارة إليها.
كما طالب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات الحكومة آنذاك، وفي جلسة بمجلس المستشارين، بأداء ما قيمته 6 ملايير درهم على الأقل، وقف عليها المجلس، وتم تحويلها من نظام المعاشات المدنية إلى المعاشات العسكرية، بعد أداء حكومة عبد الرحمن اليوسفي 11 مليار درهم، تسبيقا عن مساهمات الدولة في الصندوق باعتبارها مشغلا.
وكانت هناك ثلاثة سيناريوهات، لجأت الحكومة إلى أضعفها، أي أداء الحد الأدنى من الاشتراكات دون أداء الفوائد. كما تم التحايل، لكي لا يتم الاستماع إلى إدريس جطو، مستجوبا عاديا، بحكم أنه سبق أن كان وزيرا أول. وعوض ذلك، تمت برمجة الاستماع إليه استدعاء من قبل ثلاث لجن، عوض لجنة تقصي الحقائق فقط، لكي يدلي بتصريح، أكد فيه ضرورة أداء الدولة 6 ملايير درهم دون تأخير، وهو تصريح صادر عن رئيس مؤسسة دستورية أمام 3 لجن بمؤسسة البرلمان.
< إن أزمة الصناديق ترتبط بقرارات إستراتيجية اتخذتها الدولة، وعلى رأسها توقيف التوظيف في القطاع العام، وعدم محاسبة القطاع الخاص الذي تمنحه امتيازات قصد توفير مناصب الشغل، ولا تقوم بمراقبة من لا يصرحون بالأجراء لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. كما أن الاختلالات المالية للصناديق، تتحمل فيها الدولة المسؤولية، إذ ظلت الحكومات المتعاقبة لسنوات عديدة تمول المعاشات العسكرية، التي أفلس نظامها، من المعاشات المدنية، ضدا على القانون. وأخيرا، قامت الحكومة ببيع المراكز الاستشفائية الجامعية، للصندوق المغربي للتقاعد، دون استشارة مجلسه الإداري، وضدا على إرادته، وسمت تلك العملية “التمويلات المبتكرة”، فأي ابتكار هذا الذي يعطيك الحق، في التصرف في أموال الصندوق، دون رأي أصحابها لسد ثغرة في ميزانية الدولة بحوالي 460 مليار سنتيم، وحتى الالتزام بأداء الكراء بقي حبرا على ورق. إنها سرقة موصوفة، وفي واضحة النهار، تمت في 2019.
وفي السنة الموالية، 2020، تم بيع عقارات الجامعات لفائدة صندوق الإيداع والتدبير، الذي يسير أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، دون أخذ رأي الأجراء، وهي عملية يمكن تسميتها “التمويلات الحمقاء”، وليست المبتكرة. فكيف يعقل أن تبيع دولة مقرات جامعاتها، التي تنتج نخبتها المستقبلية؟ وتدعي أن هذا تمويل مبتكر. فبعد بيع الدولة كل ممتلكاتها المنتجة في إطار الخوصصة، ها هي تبيع مقرات الجامعات لتمويل عجز الميزانية. وتقول إن الصناديق مهددة بالإفلاس، والعكس هو الصحيح، فالحكومات هي المفلسة، والاختلالات المالية للصناديق، كما أوضحنا هي نتيجة للاختيارات السياسية، وسوء التدبير، واستباحة أموال الصناديق، دون حسيب ولا رقيب.
قلق في أوساط النقابات
< المشروع بأكمله يثير قلقنا داخل النقابات، لأنه مرة أخرى يجعل كلفة الإصلاح على عاتق الأجراء، ويبدو أن الدولة لا تريد أن تضع درهما واحدا لتمويل الإصلاح، وترفض محاسبة من كانوا سببا في إفلاس الصناديق، أو إرجاع الأموال المنهوبة، سواء من الصندوق المغربي للتقاعد، أو صندوق الضمان الاجتماعي، بل وترفض أي حديث عن تلك الملفات.
وفي عز عجز الصناديق، ما زالت تستنزف الدولة مدخراتها، وتلجأ إليها كلما ظهر عجز في الميزانية العامة، دون الرجوع إلى المجالس الإدارية للصناديق، وحتى إذا قررت هذه الأخيرة بعض الإيجابيات لصالح الشغيلة، تتلكأ الحكومة في تطبيقها.
مسؤولية الدولة ثابتة
< طبعا، المسؤولية تتحملها في المقام الأول الدولة، بكل مؤسساتها، بسبب غياب الحكامة، وليس ضعفها، فالمعاشات كانت تسير من لدن مديرية بوزارة المالية، ولم يحدث الصندوق باعتباره مؤسسة عمومية، إلا في 1996. كما تكمن المسؤولية في سوء التدبير، وعدم أداء مساهماتها في الصندوق، بل وخرق القانون بأداء المعاشات العسكرية من مالية المعاشات المدنية. وكانت الدولة تعتبر صناديق التقاعد احتياطيا ماليا مستباحا، بل تعتبره ملكا لها وبإمكانها أخذ ما تشاء ووقت ما تشاء وبالطريقة التي تشاء.
ولو كانت الدولة تحترم القانون، لأدت مساهماتها في حينها، ولسمحت باستثمارها بأحسن نسب الفائدة، ولو حاسبت الدولة المسؤولين عن الاستثمارات الفاشلة، والتي يمكن تلخيصها في اللجوء إلى أموال الصندوق المغربي للتقاعد لتعويض خسارات بعض الشركات والبنوك.
إن الدولة مسؤولة عن فرض تطبيق القانون على الشركات، للتصريح بعمالها لدى صندوق الضمان الاجتماعي، فلو قامت بكل هذا، ما كانت وضعية الصناديق تصل إلى ما هي عليه اليوم، من عجز واختلالات.
وللحقيقة، أيضا، فإن النقابات والأحزاب وهيآت المجتمع المدني تتحمل المسؤولية، ولو بتفاوت، في وضعية الصناديق، فلو دافع الموظفون والأجراء عن مدخراتهم، لما تجرأت الدولة على استباحة أموال الصناديق.
الحكومة غير مستعجلة
< صحيح، قد تكون الحكومة متخوفة من مباشرة الإصلاح وإحالة القانون على البرلمان. وقد لمسنا ذلك في آخر اجتماع للجنة إصلاح منظومة التقاعد، حيث بدا ممثلو الحكومة غير مستعجلين. لكن حين تقرر الحكومة إحالة المشروع على البرلمان، فلن تجد صعوبة في مجلس النواب، وحتى في الغرفة الثانية، وسيتم تمريره دون عناء. آنذاك سيخرج البعض لانتقاد النقابات، وكأنها هي من باشرت «الإصلاح» أو الإفساد، لكن لا أحد يحاسب الأحزاب، التي صوتت عليها لأن أغلبها قبض الثمن، وسيعود للتصويت عليها في الانتخابات المقبلة في مشهد سريالي.
لكن هذه المرة قد لا تسلم الجرة، كما حدث في عهد حكومة بنكيران، لأن الظرف صعب جدا والمواطنون يعانون الارتفاع المهول في الأسعار وانهيار القدرة الشرائية، على غرار ما عشناه بداية الثمانينات، التي عرفت انتفاضة 1981، التي كان وراءها الإضراب العام، الذي دعت اليه الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، وعدم قدرة الدولة على أداء أجور الموظفين في 1983، ولجوئها الى المؤسسات المالية الدولية، التي فرضت آنذاك برنامج التقويم الهيكلي.
إن الوضع اليوم شبيه بتلك السنوات، ونسبة التضخم، فاقت ما كانت عليه في الثمانينات، لذلك وجب فتح نقاش عمومي يساهم فيه الجميع ويلعب فيه الإعلام العمومي الدور المنوط به.
وإذا لم تنصت الحكومة إلى صوت العقل، وحاولت تمرير الإصلاح، اعتمادا على أغلبيتها العددية، فالأمر لن تحمد عقباه، وقد تنتج عنه احتجاجات تهدد السلم الاجتماعي.
ملف مجتمعي
< إن ما يجري اليوم بفرنسا، يبين أن ملف التقاعد ملف مجتمعي يهم الجميع، فقد تحركت مكونات المجتمع الفرنسي، رفضا لرفع التقاعد إلى 64 سنة. وقد نزلت كل النقابات إلى الشارع لمواجهة الإصلاح الذي جاء به ماكرون. لقد أكدت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل أن إصلاح التقاعد شأن مجتمعي يهم كل المغاربة، ولا يمكن التداول فيها في سرية، ولنا في الدرس الفرنسي عبرة، لذلك على الجميع تحمل المسؤولية، لكن مع الأسف نحن نعرف “خروب بلادنا”، ونعرف كيف تشتغل الأحزاب وبعض النقابات، فكما سبق وقلت هناك نقابات تتفق مع الحكومة في الاشتغال بسرية، وهو ما أثار استغرابي كثيرا.
ففي فرنسا، اتفقت كل النقابات على النزول الى الشارع، ومواجهة الإصلاح، ونحن في المغرب لم نتفق على الاشتغال في واضحة النهار وفي الوضوح التام، ففي فرنسا خرج المتقاعدون والأجراء والطلبة والتلاميذ ، وفي المغرب، دعت الكنفدرالية للاحتجاج يوم 19 فبراير الماضي، وتغيب حتى بعض مناضليها للأسف. ونحن ننبه الأجراء إلى ما يحاك ضد تقاعدهم، ومكتسباتهم، لكن حين تلجأ الحكومة إلى أغلبيتها، ستمرر القانون، وآنذاك سيخرج مناضلو “الفيسبوك» لاتهام النقابات بـ”بيع الماتش»، ووضع الجميع في سلة واحدة.
مضامين الدراسة
- رفع سن التقاعد القانوني إلى 65 سنة في القطاعين العام والخاص في أفق 2025.
- رفع نسب الاشتراكات بما في ذلك القطاع الخاص.
- تجميد الحقوق المكتسبة في الأنظمة الحاليةـ وعدم إعادة تقييم المعاشات على مدى عشر سنوات المقبلة.
- اعتماد سقف موحد للنظام الأساسي يساوي مرتين الحد الأدنى للأجور بكل من القطب العمومي والقطب الخاص.
- تقليص نسب الاستبدال خصوصا للأجور العليا.
- تقليص قيمة المعاش بآليات مختلفة.
- مراجعة وعاء احتساب المعاش وجعله على كل المسار المهني، عوض 8 سنوات حاليا.
- الانتقال إلى نظام بقطبين (قطب عام وقطب خاص)، في أفق الوصول إلى نظام موحد.
- التخلي عن النسبة المائوية (حاليا 2 في المائة) والانتقال إلى نظام التنقيط المعمول به في الصندوق المهني المغربي للتقاعد.
- خلق نظام بثلاث ركائز: نظام أساسي إجباري، نظام تكميلي إجباري، ونظام إضافي اختياري، مع إغلاق الأنظمة الحالية.
- إمكانية تأخير التقاعد إلى 67 سنة لمن أراد ذلك.
- إمكانية إلغاء آلية الثلث للأجير والثلثين للمشغل، باعتماد طريقة اشتراك بالنصف (50 في المائة لكل طرف)، المعمول بها في الصندوق المغربي للتقاعد.
في سطور
*من مواليد 10 دجنبر 1965 ببني مسكين نواحي سطات.
*متزوج وله أبناء.
*موظف بالتعليم العالي بجامعة ابن زهر بأكادير.
*حاصل على شهادة مخبري من كلية علوم التربية بالرباط.
*عضو سكرتارية المجلس الوطني لفدرالية اليسار الديمقراطي.
*برلماني سابق.
*عضو المجلس الوطني للكنفدرالية الديمقراطية للشغل.
*أمين المكتب الإقليمي لكدش بأكادير.
*كاتب وطني سابق لنقابة موظفي التعليم العالي.